فصل: في ذكر حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها ابتداء من سنة 1162:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.الأمير عثمان بك ذو الفقار:

وهو وأن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم، وأنقطع أمره من مصر فكأنه صار في حكم من مات. وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه، لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفاً وثلاثين سنة. ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخاً لأخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك، وولدت سنة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر. هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر أغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من أختفائه وخرود محمد بك جركس من مصر، فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة. فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الإقليم في حياة أستاذه، ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعين خرج إليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والأنهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش، ولما قتل سيده بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلو إليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت أستاذه وتقلد خشداشه على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل برأسه علي بك قطامش، ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم احضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى أفنوا الطائفة القاسمية قتلاً وطرداً، وتشتتوا رفي البلاد وأختفوا في النواحي، والتجأ الكثير منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد، ومنهم من فر إلى بلاد الشام والروم، ولم يعد إلى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية. ولما حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتر دار، وكان المترجم حاضراً في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته، فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار إلى باب الينكجرية، وأجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية وأحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس، وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم، وتفرقوا وأختفوا كما تقدم، وعزلوا الباشا. وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من أشراقاته، وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة إحدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في أمن وأمان وسخاء ورخاء. ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم أيضاً لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد أتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضاً عن أستاذه وأحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم، وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله أميراً على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان، فطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين. ثم ورد أمر للمترجم بإمارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا. وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيي باشا في بيته وحضر إليه وقدم له تقادم وهدايا، ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم، بأن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وأنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني أو المقياس. وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمان وأنتهت إليه الرياسة وشمخ على أمراء مصر ونفذ أحكامه عليهم قهراً عنهم، عمل في بيته دواوين لحكومات العامة وأنصاف المظلوم من الظالم، وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصاً ولا يجري أحكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبة بنفسه. وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقراء، ومنع المحتسب من أخذ الرشوات، وحجج الشهود من المحاكم. وكان يرسل الخاصكية أتباعه في التعابين حتى على الأمراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحداً في ماله وأخذ مصلحة على ميراث، ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم. ولما ورد الأمر بأبطال المرتبات ةجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره أفرزوا له قدرا أمتنع من قبوله وأقتدى به رضوان بك، وقال: هذا من دموع الفقراء، وإن حصلت الأجابة كانت مظلمة وأن لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب أقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب، وأمنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه، وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد الغيرة. ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن إيواظ في أمراء مصر من يشابهه أو يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة، إذا قال كلاماً أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الأدكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطه التعليق الحسن في خمسين جزء لطافا كل مقامة على حدتها، وألف لأجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى أستوحشوا منه وحضر إليه يوماً علي باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قضية فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه وأراد أن يضربه وغير ذلكلحة للباشا وغيره أفرزوا له قدرا أمتنع من قبوله وأقتدى به رضوان بك، وقال: هذا من دموع الفقراء، وإن حصلت الأجابة كانت مظلمة وأن لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب أقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب، وأمنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه، وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد الغيرة. ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن إيواظ في أمراء مصر من يشابهه أو يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة، إذا قال كلاماً أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الأدكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطه التعليق الحسن في خمسين جزء لطافا كل مقامة على حدتها، وألف لأجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى أستوحشوا منه وحضر إليه يوماً علي باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قضية فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه وأراد أن يضربه وغير ذلك.

.السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر:

مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لأمور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والإمارة في الممالك. والثاني أن على كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فأجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه، فحضر إليه رجل وأغراه على قتل حماد شيخ البلد ويأخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصاناً، ويعمل واحدا منهم شيخاً عوضاً عن أبيه، ففعل ذلك ووعده إلى أن يذهب منهم شخص إلى مصر ويأتي بالدراهم من الأمين وضمنهم الذي كان السبب في قتل أبيهم، فحضر شخص منهم إلى مصر وطلب من الأمين مائة جنزرلي، وحكى له ما وقع، فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف بأغراء سالم شيخ البلد، وأنه ضمنهم أيضاً في المائة جنزرلي، وقد أتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم. فركب إبراهيم جاويش وأتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص عليه القصة وفهمها ثم أنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال إبراهيم جاويش: نحن قد اتينا في سؤال، قال الصنجق: خير. فذكر القصة ثم قال له: أرسل أعزل علي كاشف وأرسل خلافه. فقال الصنجق: صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح أني أعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود. وتراددوا في الكلام إلى أن أحتد الصنجق وقال له إبراهيم جاويش: أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنا أستأجرت الحصة. فقال له الصنجق: أنزل أعمل كاشفاً فيها على سبيل الهزل. فقام إبراهيم جاويش منتوراً وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا إلى بيت عمر بك، فوجدوا عنده خليل أغا قطامش وأحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان: الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة أخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية، فأحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الأيجار. وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول: لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لإبراهيم جاويش، فلما خرجت الحجة أرسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من أعطاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله. ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده أنفاراً فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له: لماتطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم أقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان أرجعوا وعمروا. فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحداً، وأرسل إبراهيم جاويش كاشفاً من طرفه بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لاولاد حماد. وأستمر على كتخدا يسعى حتى أصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل:
أن القلوب إذا تنافر ودها ** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر

ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة، حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتر دار وقتل الأمراء.
وأما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط، وهو أن شيخ العرب همام رهن عند إبراهيم جاويش ناحية رديس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد، فأرسل همام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش، فأخبر عثمان بك الباشا وقال له: هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقع فيها فراغه وأرسل لها كاشفاً قتلناه وقطعنا الجالب، فأنتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فأنهم يوقفون المال والغلال. فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه، وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيم جاويش يتواقع على الأمراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض، ويحتج عليه بأشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك، إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وأنجمعوا على رضوان كتخدا، وكان أنفصل من كتخدائية الباب، فقالوا له: أما ان تكون معنا وأما أن ترفع يدك من عثمان بك. فلم يطاوع وقال: هذا لا يكون وكيف أني أفوت إنسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من أخصامنا ولولا هو لم يبق منا إنسان. وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصاً بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم. فلما أيسوا منه قالوا له: إذا كان كذلك فانت سياق عليه في قضية أخينا إبراهيم جاويش، فوعدهم بذلك وذهب عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك. فقال: هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به، فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له أترك هذا الكلام وأشار إلى وجهه بالمذبة فأنجرح أنفه، فأخذ في نفسه رضوان كتخدا وأغتم وقال له: حيث أنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم. وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك، فركب في الوقت وأخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا إلى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق سته، فأجمعوا أمرهم وأتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع إلى الديوان، فأكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحتبه إسمعيل بك أبو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب إلا طرف أنفه، ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية، وخاف من رجوعه على بيت إبراهيم جاويش، ومر على قصبة رضةان على حمام الوالي وهرب أبو قلتج إلى بيت نقيب الأشراف. وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب، فوجده قد ركب، ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته إلى البيت، وإذا بإبراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة وأحاطوا بالجهات، وهجموا علي بيوت أتباعه واشراقاته، وأوقعوا فيها النهب، وأحرقوها بالنار، وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة، وأخذوا ينقبون عليه البيت. فلما رأى ذلك الحال أمر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقود مع أعيان المماليك، وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب إلى بولاق. ونزل في جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه، بل غم أمره على غالب الناس، وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري وأخرجوا منه ما يجل عن الوصف، وأعتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم، وصاروا تجاراً وأكابر، ولم يزالوا في النهب متى قلعوا الرخام والأخشاب وأوقدوا النار. وحضر أغات الينكجرية أواخر النهار وأخرج العالم وقفل الباب وأعطى المقتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار. وأقامت النار وهز يطفئونها يومين، وكان أمرا شنيعاً. وأما عثمان بك فإنه لما نزل بمسجد أبي العلا وصحبته عبد الله كتخدا أقاما إلى بعد الغروب فأرسل عبد الله كتخدا إلى داره فأحضر خياماً وفراشاً وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحية الشرق، فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا، وأجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق أولاد يحيى وغيرهم. وأما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان أغات متفرقة، وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه إسمعيل أغات عزب، وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش أمير العسكر. ووعدوه بولاية جرجا إذا فبض على عثمان بك. فجهزوا أنفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحية أسيوط، فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعموا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان بك وبشيير كاشف وطوائفهم، فأشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال: المتعدي مغلوب. ثم أنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فأنهم في عزوة كبيرة، فشرع في تجهيز نفسه وأخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل أتباعهم وأنفارهم، وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بك. ووصل الخبر إلى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله كتخدا القازدغلي: أنتم لم تفوتوا بعضكم. وأشار عليه بأن يطلع إلى عند السردار، وطلع عند السر دار وعدى عثمان بك ومن معه وأنعم على القاسمية الواصلين إليه، ورجعوا إلى أماكنهم. وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أياماً. ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى أسيوط فوجدوه قد أرتحل وحضر إليهم السر دار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده، فأرسل إليه علي جاويش الطويل فأحضره إلى إبراهيم جاويش وعاتبه، وأرتحل في ثاني يوم خوفاً من دخول عثمان بك مصر. ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر أتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل أتباعها، ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك، ورجعت إتباعه إلى مصر بعد وفاته. ولما وصل عثمان بك إلأى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم، وأنهم أخذوا من البندر سمناً وعسلاً وجبناً ودقيقاً وذهبوا إلى الطور، فعملوا جمعية في بيت إبراهيم بك قطامش واتفقوا على أرسال صمجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما أغات بلوك وأسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا، فخلع عليهم قفاطين وجهزوا أنفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا. ووصل الخبر إلى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه وأتى قرب أجرود، فتلاقى فعهم هناك ووقعت بينهم معركة أبلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا إبراهيم بك، وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة، فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وأرتحل إلى الطور. وأما التجريدة فأنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر، وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سراً إلى محمد أفندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور، فحضر محمد أفندي المذكور إلى إبراهيم جاويش الذي أحضر رجلاً بدوياً طورياً وسلمه له فأركبه هجينا وسار به إلى الطور، فلما وصل إليه وأجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول حسن له ذلك، وأنه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة، ويحصل من بعد الأمور أمور. فوافق على ذلك وعزم عليه،وركب عثمان بك ومحمد أفندي ومعهم جماعة عرب أوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول، ودخل علي بك وسليمان بك وبشير أغا إلى مصر، وبعد مدة ظهر بشير أغا فأرسله إبراهيم جاويش قائمقام على أمانة في الصعيد. ولما وصل المترجم إلى اسلامبول وقابل رجال الدولة أكرموه وأنزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمه، وعينوا له كفايته من كل شيء. وأجتمع بالسلطان وسأله عن أحوال مصر فأخبره، فقال له من جملة الكلام، وما صنعت مع أخوانك حتى تعصبوا عليك وأخرجوك؟ قال: لكوني أقول الحقق وأقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على ألفي كيس ومن وسايا البرد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس. فأمر بكتابة مرسوم وطلب أربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس، وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك أواخر سنة سبع وخمسين. فلما قرئ ذلك المرسوم قالوا في الجواب: أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية، والخيار الشنبر نهبته أتباعه وخدمه والعرب والفلاحون، وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم: يكرمي سكزجلبي، حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر وأخصموا منه ما عليه، وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب. ففعلوا ذلك وذهب به قابجي باشا وصحبته سمعيل بك أبو قلنج بخزينة سنة ست وخمسين، ولما عرض قابجي باشا العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا القدر، ولكن أرسلوا بطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش، فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطاباً إلى محمد باشا ويكرمي سكز جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكز جلبي يخضر بثلث الحوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والأغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب: أن من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب، وأما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا النقص ولا الزيادة لآن المبري محرر في المقاطعات، والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا، وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف أستاذ علي كتخدا الموجود الأن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها أشتهر. ثم أنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا، ثم أعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم أنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول وأستمر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190. وأما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي، ولما سافر عثمان بك من أجرود إلى الشام وأرتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان أغات تابعه أغات المتفرقة وجعله صنجقاً وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي، وهو أول أمرئه، وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل أغات العزب والصنجقية، وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي. وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضاً في تختروان سنة 1157. وترك المترجم بمصر ولدين عاشا وشابت لحاهماوبنتاً تزوج بها بعض الأمراء، وأتفق أيه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته، وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض، فكانوا يحملونه لركوب الحصان. فإذا أستوى راكباً أقوى من الشاب الصحيح، ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته. وصحبته سمعيل بك أبو قلنج بخزينة سنة ست وخمسين، ولما عرض قابجي باشا العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا القدر، ولكن أرسلوا بطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش، فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطاباً إلى محمد باشا ويكرمي سكز جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكز جلبي يخضر بثلث الحوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والأغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب: أن من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب، وأما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا النقص ولا الزيادة لآن المبري محرر في المقاطعات، والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا، وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف أستاذ علي كتخدا الموجود الأن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها أشتهر. ثم أنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا، ثم أعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم أنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول وأستمر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190. وأما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي، ولما سافر عثمان بك من أجرود إلى الشام وأرتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان أغات تابعه أغات المتفرقة وجعله صنجقاً وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي، وهو أول أمرئه، وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل أغات العزب والصنجقية، وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي. وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضاً في تختروان سنة 1157. وترك المترجم بمصر ولدين عاشا وشابت لحاهماوبنتاً تزوج بها بعض الأمراء، وأتفق أيه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته، وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض، فكانوا يحملونه لركوب الحصان. فإذا أستوى راكباً أقوى من الشاب الصحيح، ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته.
ومات مصطفى بك الدفتر دار من أشراقات عثمان بك، وذلك أنه سافر أميراً على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155.
ومات أيضاً إسمعيل بك أبو قلنج وكان سافر أيضاً بالخزينة عن سنة 1156، ومات باسلامبول ودفن هناك.
ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش، تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتر دار، ولما قتل والده علي بك مع استاذ محمد بك أجتمع الأمراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيه، وجرى ما جرى على أخصامهم. وطهر شأن المترجم ونما أمره وأشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155، ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160، فخرج المترجم هارباً من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك.
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم، ومحمد بك المذكور من القطامشة، وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضاً عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف. ومات أبو مناخير فضة، وذلك أنه كا ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل، وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار، وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية، على قنطرة الأمير حسين، وإذا بجماعة من أتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات، فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة، فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا، فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله، فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا، فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صبحها. وأرسل رضوان كتخدا عرف إبراهيم جاويش بذلك فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة.
ومات علي كاشف قرقوش وهو من أتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشة الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب، وجلس عند قنطرة سنقر، وإذا بإنسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش، فأمر الوالي بقتله فقتله والله أعلم بالحقائق.

.في ذكر حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها ابتداء من سنة 1162:

في ذكر حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، وذلك بحسب التيسير والأمكان ومالا يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة، ونزل من القلعة إلى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم، ثم سافر في أواخر سنة أحدة وستين ومائة وألف كما تقدم إلى ثغر رشيد.